منذ فترة ليست بقصيرة وأصبح الصندوق الوطني للمشاريع الصغيرة الشغل الشاغل و مركز الانتقاد الأول من رواد الأعمال و المبادرين و السياسيين، و محل إستغراب وتعجب من باقي المجتمع، حيث يدير ميزانية مقدرة بملياري دينار من غير أي إنجاز حقيقي او نتائج ملموسة منذ تأسيسه، ومع تشكيل مجلس الإدارة الجديد عادت الأضواء إليه مرة أخرى و يعتقد الكثير انه سيكون الحل السحري لجميع مشاكل المبادرين، لكن ما هو الدور الحقيقي لهذا الجها الهام؟
فبوجهة نظري الشخصية ان دور الصندوق الحقيقي لا يقتصر على تمويل المشاريع الصغيرة فحسب ونجاحه لا يقاس بعدد المشاريع التي تم تمويلها او حتى نجاحها، حيث ان هذه الدور موجود في بعض المؤسسات الحكومية من قبل تأسيس الصندوق من مثل محفظة البنك الصناعي للمشاريع الصغيرة التي ما زالت قائمة وصندوق دعم المبادرين من الهيئة العامة للاستثمار التي تم إيقافها، فتمويل ٢٤٥ مشروع و توفير ٨٥٠ فرصة وظيفة لا يمكن إعتباره بأي حال من الأحوال إنجاز لصندوق يجلس علي هذه الميزانية و يملك سلطات كبيرة بقوة القانون، فالدور الحقيقي للصندوق هو تقليل الإعتماد علي القطاع الحكومي من خلال خلق بيئة عمل ملائمة للمبادرين، تشجع علي ريادة الأعمال و تذلل جميع الصعوبات التي تواجههم من جميع الجهات وليس فقط المادية، ويتم ذلك عن طريق أربع أدوار رئيسة وهي: تعزيز روح المبادرة، رعاية وتطوير المبادرات والأفكار، تهيئة القوانين والتشريعات التي تدعم المشاريع الوطنية الصغيرة والمتوسطة، وأخيراً تعزيز فرص الاستثمار في هذا القطاع الحيوي والهام
فالدور الأول والأهم علي الجهاز تنمية ريادة الأعمال في المجتمع من خلال غرس أفكارها و تعليم أساسيتها في المراحل التعليمية المختلفة من خلال المناهج الدراسية و استحداث برامج مختصة لتدريس ريادة الأعمال في الجامعات الخاصة و الحكومية، و ابتعاث بعض المبادرين للاستكمال الدراسة في ارقي الجامعات، بالإضافة الي زيارات مستمرة لمراكز ريادة الأعمال مثل سيلكون فالي للاستفادة والاطلاع والتعلم من التجارب الناجحة في هذا المجال و نقلها الي الكويت، إضافة الي برامج تدريبية دورية للمبادرين عن خطوات تأسيس المشاريع وريادة الأعمال في مختلف محافظات الكويت، لعل المتابع لأنشطة الصندوق يعلم بطرحه لبعض الدورات التدريبة المتميزة للراغبين في حصول على تمويل مباشر من الصندوق (مثل دورات كوفمان الشهيرة)، لكن هذه الدورات قدمت لمرات قليلة في السنة وتخدم فئة معينة محدودة فقط، ولا يمكنها لوحدها من تغيير ثقافة مجتمع معتمد على التوظيف الحكومي إلى مجتمع مبادر وريادي، فدور الصندوق لا يقتصر الي تعليم و تطوير من يمتلك الأفكار بل يجب ان يكون الهدف ابعد و اكبر، فمثل هذه الأنشطة سوف يخلق مجموعة تملك شغف الريادة ومحملة بخبرات مختلفة تكون نواة المستقبل لمجتمع ريادي مؤهل لمواجهة الصعاب
أما الدور الثاني فيبدأ برعاية الشباب الشغوف في ريادة الأعمال من أصحاب الأفكار والمبادرات وتطوير افكارهم الي مشاريع حقيقية من خلال حاضنات ومسرعات الأعمال، فعلى الصندوق دعم حاضنات الأعمال الموجودة بالسوق حالياً واستحداث مسرعات للأعمال متخصصة في مختلف المجالات في مختلف المحافظات، و من السهولة والسرعة اشراك الجامعات الأهلية والحكومية كمراكز حاضنة للابتكار، لأنها تحوي فئة الشباب المستهدف وموزعة على مختلف مناطق الكويت، فوجود مسرعات أعمال في الجامعات من شأنه جذب الطلبة وخلق فرص جديدة وخدمة أهالي المناطق القريبة من الجامعات، وبهذه الطريقة أصبح بالإمكان انشاء بيئات جديدة تتنافس فيما بينها لتطوير ودعم مختلف الافكار
أما الدور الثالث فيختص بالدور السياسي والقانوني الذي يهدف لتذليل كافة العقبات أمام المبادرين، وتفعيل القوانين لخدمة المواطنين الطامحين للمنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية، فعلى الجهاز فتح أبوابه للمبادرين بحيث يكون صوتهم والمطالب الأول بحقوقهم، ولا يتم ذلك الا من خلال تواصل الجهاز ممثلا بإدارته التنفيذية مع رواد الأعمال من مختلف القطاعات و احتضانهم و سماع و تبديد كافة مخاوفهم، وإشراك القطاع الخاص والاستفادة من و تجاربه، و هذا لا يمكن تحقيقه الا من خلال إرساء مبادئ الشفافية في كافة تعاملات الصندوق خصوصاً في شروط التمويل و منح الأراضي
فلا يمكن خلق بيئة عمل تنافسية في القطاع الخاص بعقليات و أفكار حكومية، حيث لخص الحائز علي جائزة نوبل في الاقتصاد د. بول كرويجمان في كتابه “أنها دولة و ليست شركة” الفروقات الرئيسية بين ادارة القطاعين العام و الخاص لمن أراد المزيد من التفاصيل، وحيث أن الصندوق يهدف لخدمة و تشجيع العمل في القطاع الخاص يجب أن يراعي القائمين عليه أنهم حلقة وصل بين القطاع الخاص و الحكومي، و هذا يتطلب جهد أكبر و عمل مضاعف، و من ممكن الاستفادة من التجارب الدول القريبة و إيجاد جمعيات مختصة بالمبادرين، او تكوين جهاز مماثل لغرفة التجارة مختص برواد الأعمال ليكون جهة رسمية ممكن التواصل معها من خلال الصندوق او باقي الجهات الحكومية بحيث تكون جهة تمثيل رسمية لرواد الأعمال
أخيراً، على الصندوق أن يعمل جاهدا لتعزيز الاستثمار في المشاريع الصغيرة وهو أحد أكبر واعقد الأدوار المطلوبة منه، فاستثمارات الصندوق لا تقتصر على توزيع و صرف الملياري دينار ولكنها مرتبطة باستمرارية العائد و ديمومته على الصندوق بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، لذلك ينبغي تشجيع الشركات والأفراد على الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وخلق ودعم الاستثمار في صناديق المال الجريء (Venture Capitalist )، والدعم الإعلامي للمبادرات من خلال مسابقات وبرامج تدعم فكرة الاستثمار في المشاريع الريادية، وخلق شراكات مع المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الأهلي لاستمرار هذه الأفكار، بالإضافة إلى إنشاء سوق لتداول الشركات الصغيرة والمتوسطة في بورصة الكويت، و وضع قوانين للتخارج تضمن حقوق المبادرين والمستثمرين على حد سواء، بهذه الطريقة سيزيد حجم الاستثمار في قطاع المشاريع الصغيرة و المتوسطة عن المليارين التي وفرتهم الحكومة، وخلق فرص مختلفة للإبداع وتطوير الأفكار، والأهم من ذلك تكوين قطاع استراتيجي جديد يستثمر ويستفيد من كل هذه المشاريع
المطلوب من الصندوق ليس فقط تطوير افكار محفظة البنك الصناعي، ولا حتى استثمار الملياري دينار، فبوجهة نظري المتواضعة المطلوب من الصندوق خلق بيئة عمل للمبادرين تضمن استمراريتهم ومن يستثمر معهم ومن يأتي بعدهم، ولا يتم ذلك إلا من خلال العمل الحقيقي من القائمين على الصندوق ودعم حكومي لا محدود وتعاون مع القطاع الخاص
نقطة على الهامش:
يروج حالياً ان هناك عمل دؤوب على تعديل قانون الصندوق، اتمني من القائمين على التعديلات ألا يتحول الصندوق الي جهاز حكومي جامد جديد، فيجب منح القائمين عليه فرصة للتعاطي والتعامل مع القطاع الخاص بمرونة بدون إغفال الشق الحكومي في نفس الوقت، فعلي قولة آينشتاين
“لا يمكن حل المشاكل باستخدام نفس العقول التي سببتها”